إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
41421 مشاهدة
الحوض


بعد ذلك في عَرَصات القيامة الحوضُ المورود؛ حَوْضُ النبي -صلى الله عليه وسلم- تَرِدُه أمته، لا يظمأ من شرب منه، ويُذَاد عنه مَنْ بدل وغَيَّرَ. قيل: إنه الكوثر إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ وقيل: إنه حوض في عرصات القيامة يصب فيه ميزابان من الكوثر الذي في الجنة، وأن ماءه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأن كيزانه - يعني الأواني التي يُشْرَبُ بها - عدد نجوم السماء.
وأن الناس يردونه؛ يعني من أُمَّتِهِ، فَيَرِدُهُ المؤمنون يعرفهم بالْغُرَّةِ والتحجيل من آثار الوضوء، الذين يحافظون على الوضوء، يحافظون على الطهارة، يحشرون يوم القيامة غُرًّا محجلين، بيض الوجوه، وبيض الأيدي والأرجل من آثار الوضوء.
وأما غيرهم فإنهم يُذَادون عنه فيعرفهم بهذه العلامة التي يعرفون بها، ويذاد عنه أهل الكفر وكذلك المرتدون. ورد أن طوله مسيرة شهر، وعرضه مسيرة شهر؛ يعني مسيرة شهر على سير الإبل المعروف قديما، قُدِّرَ في بعض الروايات أنه ما بين عدن إلى بصرى -قرية في الشام - يعني: هذا طوله وكذلك عرضه.
لا شك أن هذا من خصائصه، قال بعض العلماء: إن لكل نبي حوضا، ولكن نبينا-صلى الله عليه وسلم- أكثرهم حظًّا، أكثرهم وارِدًا يَرِدُ عليه، ترد عليه أمته. مَنْ شرب من هذا الحوض لم يظمأ بعدها أبدًا حتى يدخل الجنة، ولو طالتْ المدة، كذلك الذين يُذَادون عنه تذودهم الملائكة مِمَّنْ كفر، أو ارتد، أو بَدَّلَ أو غَيَّرَ.
هذا كله يتعلق بيوم القيامة وما فيه، ونُكَمِّلُ الباقي إن شاء الله بعد الصلاة، والله أعلم، وصلى الله على محمد .